اهتم العرب قديما باللغة و أتقنوها و كانوا أفصح الناس في زمانهم ,ثم من بعد ذلك اهتموا بصناعة الآلات الحربية و المجانيق بأشكال مختلفة حيث كانوا السباقين لتليين الحديد و هذا ما جعل الجاحظ يقول فيهم "".... وجهوا قواهم إلى قول الشعر و بلاغة المنطق و تشقيق اللغة و تصاريف الكلام و قيافة البشر بعد قافة الاثر و حفظ النسب و الاهتداء بالنجوم و الاستدلال بالاثار و تعرف الانواء و البصر بالخيل و السلاح وآلة الحرب و الحفظ لكل مسموع و الاعتبار بكل محسوس..""1
في حين اهتمت الدول الاخرى كالصين بالتجارة و الصناعة و الاقتصاد كما هو الحال معها الان فقال فيهم ""ميزة سكان الصين الصناعة , فهم أصحاب السبك و الصياغة و الأفراغ و الاذابة و الاصباغ العجيبة و أصحاب الخرط و النحت و التصاوير و النسج""2
و اليونانيون اهتموا بالفكر و الطب فكانوا ""يعرفون العلل و لا يباشرون العمل و ميزتهم الحكم و الآداب""3
و لكن حينما ينتقل الكلام عن الزنج نجده قد قال فيهم ""و هم أطبع الخلق على الرقص و الضرب بالطبل , على الايقاع الموزون من غير تأديب و لا تعليم و ليس في الارض أحسن حلوقا منهم ""4
و لكن كما يبدو أن الجاحظ هنا يتكلم عن حال العرب حاليا فهاهي قنوات الغناء تكتسح البيوت حيث تحتل المركز الاول في عدد القنوات العربية ب90 قناة
و هاهو الرقص الماجن يهيمن على جل المهرجانات العربية التافهة .
فكما يظهر ان الطفرة انتقلت تلقائيا هذه المرة و لكن مع الهواء حاملة معها مورثات الزنج الى بلدان العرب فامتزجت مورثاتهم مع مورثاتنا و بعدها لا تسأل عن أحوالنا مع الغناء و الرقص الذي صار أول و أكبر همومنا
فهل يعقل ان ينهض شعب بهذه السمات و الصفات ؟
و هل نتوقع نشوء علماء و عباقرة في جو كهذا ؟
أم هل نتصور فكرا راقيا و تخطيطا هادفا يسكن هذه العقول؟
و لكننا بالمقابل لا يجب أن نتشاءم كثيرا فعلى الاقل جموع غفيرة من الشعب العربي استيقظت مؤخرا .و هذا أمر لا يجب إنكاره بل علينا أن نزيد من عدد هؤلاء و تخليص خلايانا من صبغة الرقص و الغناء
إنه لمن الجميل أن نرى عقولا قد استيقظت في ظل السبات الصيفشتوي الذي عاشته الدول العربية قرونا مديدة و الذي نأمل ألا تعيشه بعد الان
و الأجمل من ذلك أن تكون الطفرة القادمة باستبدال ماض سيء بحاضر أفضل
و الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم
1,2,3,4 كتاب ضحى الاسلام لأحمد أمين